الخميس، 14 سبتمبر 2017

ترجمة المدير سعد بن عمر توري


سعد بن عمر توري

(1327هـ ـ 1910م / 1417هـ ـ 1997م)

يعدّ سعد بن عمر توري أنموذجا فريدا من المثقفين الذي أفرزتهم التفاعل بين الحضارة العربية الإسلامية وحضارة الأفارقة السودان، وخصوصا في منطقة مالي. فمن هو سعد؟ وكيف كانت مساهمته الفكرية في الحضارة العربية الإسلامية؟
هو سعد بن عمر بن سعيد جليا توري الفوتي.
ولد حوالي سنة 1910م بقرية دوكونيكورو (Doukounikoro) الواقعة على بعد عشرات من الكيلومترات عن مدينة سيقو (جمهورية مالي).
وتلقى سعد دروسه الأولى في الإسلام واللغة العربية على يد أبيه، وكان هذا الأخير مثقفا ثقافة عربية وشاعرا، إذ كانت له مؤلفات عديدة بمكتبة الحاج عمر تال في مدينة سيقو.
ولما استولى الفرنسيون على المدينة سنة 1890م بقيادة "أرشنار" نهبوا كتب المكتبة وحولوها إلى مكتبات في فرنسا. وقد تمكن سعد من الحصول على أحد كتب أبيه المسروقة، وعنوانه "سيوف السعيد" وذلك بفضل باحث مالي في إحدى المكتبات الفرنسية [سعد عمر توري: الرجل والعمل، 7،8].
وظل سعد يتعلم على يد أبيه في مسقط رأسه إلى أن التحقت أسرته بمدينة سيقو لتستقر فيها نهائيا. وفي سيقو أخذ يتتلمذ على يد الشيخ تيورنو هادي تيام، أحد أعلام الصوفية وعلماء المدينة البارزين، والتحق في الآن نفسه بالمدرسة الاستعمارية الفرنسية، ولكن عهده بهذه المدرسة لم تطل بسبب ضغط أبيه الذي كان يكره الاستعمار وكل ما يمت إليه بصلة، بما في ذلك لغته. فحاول معلموه دون جدوى أن يرجعوه إلى المدرسة الفرنسية، ومع ذلك فإن عزيمة سعد في طلب العلم لم تفتر، إذ أخذ يقارن بين طريقة تدريس أبيه وأستاذه تيام من جهة، وطريقة معلميه في المدرسة الاستعمارية من جهة أخرى، فلاحظ جمود الطريقة التقليدية وعدم جدواها، في حين أعجب أيما إعجاب بدروسه الفرنسية التي سيستفيد منها كثيرا عندما سيسافر إلى نيامي (جمهورية نيجير) صحبة عمته في طلب الرزق.
تعرّف في "نيامي" على سليمان النور، وهو ابن أب "وولوف" وأم عربية. وكان ذا ثقافة مزدوجة: عربية وإنكليزية، فأخذ سعد يتبادل مع صديقه الجديد أطراف العلوم، ومارسا معا الترجمة بين اللغة العربية واللغة الفرنسية، فدعم سعد بذلك تكوينه وأثرى رصيده المعرفي.
ولم يعد إلى مدينة سيقو سنة 1945م، استجابة للخدمة العسكرية، التي كانت تفرضها السلطة الاستعمارية على مستعمراتها، إلا وقد تهيأ لتدريس اللغة العربية وفق منهج مخالف لمنهج التقليديين.
وكان من حسن حظ سعد أن عودته إلى بلده صادفت نهاية الحرب العالمية الثانية، فلم ينخرط آنذاك في سلك الخدمة العسكرية. مما سمح له بالإقامة بجوار والده والتكفل بمسؤولية عائلته، وقد مارس في سبيل ذلك أعمالا مختلفة قبل أن يستقر للتدريس والتأليف، منها الزراعة، والتجارة، والخياطة [نفسه، 12،14].
ولما استكملت مواهبه للتدريس أسّس مدرسة عربية سماها "سبيل الفلاح" ورتبها على نمط المدارس الفرنسية، وضبط لها برنامجا أساسه التعريب، وقد اعترفت السلطة الاستعمارية له بالقدرة العلمية والتأهيل التربوي، فمنحته سنة 1948م رخصة إدارة هذه المدرسة، غير أنها ألغيت بعيد الاستقلال وإقامة جمهورية مالي سنة 1960م، لتصبح مدرسة خاصة تقتصر على المرحلة الأساسية: ست سنوات من التعليم الابتدائي، وثلاث سنوات من التعليم الإعدادي، يتخرّج التلميذ إثرها بشهادة التعليم الأساسي باحثين عن منح دراسية لمواصلة دراستهم في البلدان العربية. ولما كان الحصول على تلك المنح أمر صعبا، حاول سعد أن يفتح معهدا مهنيا في مدينة سيقو لإتاحة الفرصة لمن يريد المتابعة من التلاميذ. ولكن القصور المادي وعدم توفّر الأساتذة الأكفاء من المشاكل التي حالت دون تنفيذ هذا المشروع، لذلك وجّه سعد عنايته خاصة إلى الإنتاج الفكري.
آثاره
اهتم سعد بالتأليف إلى جانب التدريس، وكانت مؤلفاته صنفين: صنف تربوي منهجي غايته مسايرة المدرسة، وصنف فكري عام يتناول القضايا الدينية رغبة في نشر التعاليم الإسلامية. وقد مكنته معرفته للغتين العربية والفرنسية من تأليف نحو عشرين مطبوعا وثلاث مخطوطات وهي كما يلي:
أ‌-       المطبوعة:
1ـ أحكام الصلاة والطهارة (بالعربية والفرنسية) 2ـ أحكام صوم رمضان على مذهب السادة المالكية (بالعربية والفرنسية)، 3ـ الإسلام ومنكروه (بالعربية والفرنسية) 4ـ التوضيحات البسيطة على المنظومة البيقونية (في علم الحديث) 5ـ الدروس النحوية (في ثلاثة أجزاء وثلاثة مجلدات) 6ـ الصواعق الإلهية في الرد على ترهات الكنائس المسيحية، 7ـ الكنائس الحالية هل هي مسيحية أم بوذية؟ 8ـ اللآلئ والدرر في الآداب والمحاسن الغرر (مختارات من الأحاديث النبوية بالعربية والفرنسية) 9ـ المبادئ الصرفية (في جزأين ومجلدين) 10ـ حماية طلبة المدارس الإسلامية من تضليل رجال الكنائس المسيحية (بالعربية والفرنسية)، 11ـ محمد ورسالته (بالفرنسية)، 12ـ ذكر الله (بالعربية والفرنسية) 15ـ حقيقة المحدثات والبدع وما ليس في الشرع منها، 16ـ التحفة فيما يجوز ويحرم من التداوي والتعاويذ والرقية.
ب‌- المخطوطة:
17ـ شرح المختصر المقنع في علم أبي المقرع (في علم الفلك) 18ـ الحاج عمر تال، 19ـ رد أقاويل المفترين على أولياء رب العالمين.
هذا بالإضافة إلى مخطوطات أخرى في الحساب والعلوم الطبيعية والتاريخ والجغرافيا وغيرها، بقيت في مكتبة سبيل الفلاح ليستعملها المدرسون.
وفي ضوء هذا الكم الغزير من المؤلفات يمكن القول بأن سعد توري قد أثرى المكتبة العربية، وذلك انطلاقا من مجهوده الفردي، كما يمكن القول بأن المسلمين في إفريقيا الغربية قد استفادوا من إنتاج الرجل وإنجازاته، إما بطريقة مباشرة لمن قصد سبيل الفلاح من المواطنين بالماليين، ومن أبناء الدول المجاورة، وإما بطريقة غير مباشرة باعتبار أن جل المدارس العربية في المنطقة قد اعتمدت برامج مدرسته، واستعملت مؤلفاته التي كانت بفضل انفتاحه على اللغة الفرنسية في متناول المثقفين ثقافة فرنسية، مسلمين أو غير مسلمين، على أساس أنه تناول القضايا المسيحية في هذه المؤلفات، وإن كانت موظفة لغايات إسلامية. وليس عبثا أن نشير هنا إلى أن الرجل قد تعمق في تعاليم المسيحيين بفضل معايشته للرهبان المبشرين، فلا عجب إذن أن ينال تقريظ بعض العلماء الكبار من أمثال أبي بكر بن محمد المعروف بـ "دمب وقي" بمدينة "برول" (جمهورية مالي). إذ يقول في مطلع كافية له من البحر البسيط [نفسه، 55]
خدمت وطنك فالرحمان يجزيكا **** وقدته للعلا فالرب يعليكا
على هذا يكون سعد عمر توري مصدرا هاما للثقافة العربية والفرنسية في غرب إفريقيا، ولا تزال مدرسته مؤسسة تعليمية يقصدها من يريد الاطلاع على مبادئ اللغة والثقافة العربية، كما لا تزال مؤلفاته في متناول القراء في المنطقة، لكنها مهددة بالضياع على غرار كل مصنف لا ينال من الدارسين عناية.
المصادر والمراجع
في غياب مراجع تهتم بسعد في سيرته ومؤلفاته اعتمدنا على المرجع الوحيد الذي اعتنى بهذه الشخصية، وهو بحث قدمه صاحبه بدار المعلمين العليا بـ (بماكو) لنيل شهادة الأستاذية في اللغة العربية، وهو الأستاذ دانيو مودينو، الذ أنجز شهادة بعنوان "سعد عمر توري: الرجل والعمل" سنة 1998م
موديبو دانيون، جمهورية مالي.
المقال مأخوذ من موسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين، دار الجيل، بيروت، ج4.